قرآن وسنة

بين المكتوب والمطلوب فرق كبير. المكتوب قدر انطوي عليه علم ربنا ولا نعلم حقيقته وكنهه إلا بعد أن يقع. وهذا المكتوب قدر يجب علينا أن نؤمن به ولهذا كان مطلوباً بالأمر في حديث النبي صلي الله عليه وسلم حين قال كما علمه جبريل عن ربه: "وان تؤمن بالقدر خيره وشره. حلوه ومره". ومن ثم كان القدر من ضمن أركان الإيمان التي لا يجوز تركها. بل ولا يصح الإيمان إلا إذا كان الاعتقاد شاملا لها. ولأنه غيب غير معلوم وقت الاخبار به. ووقوع الخطاب من الله بشأنه صار من علامات المؤمنين الذين قال الله فيهم: "ألم. ذلك الكتاب لا ريب فيه هدي للمتقين الذين يؤمنون بالغيب". كما ان الإيمان بالغيب هو دليل علي قوة الإذعان والتسليم لله الخالق سبحانه. إذ ليس هناك ما هو أدل علي صدق الامتثال له. والاذعان لطلبه من ان يأمره بشيء لا يراه المأمور ولا يقدر علي استيعابه. ولا يستطيع أن يبصره بحواسه التي أعطاها له ربه ثم يؤمن بها لأن خالقه أمره أن يؤمن بها. ولو ان ملكاً من البشر أمر أخلص خدامه بأمر لا يقوي علي استيعابه ما آمن به اختيارا وما نفذه من تلقاء نفسه. بل ولما نفذه أصلا إلا إذا كان سيدفع حياته ثمنا لعدم تنفيذه. كأن يخير قائد جنديا بأن يلقي نفسه في اليم أو في النار وإلا ضربه بالنار. هنا يكون المأمور مخيراً بين أمرين أحلاهما مر. وإذا فعل أقلَّ المرَّين. فإنه لم يفعله احتسابا للآمر. بل تلافيا للمرِّ الأكبر. والعذاب الأشد. ورهبة من العذاب. ولأنه هالك في الحالتين فلا فرق عنده. أما المطلوب فأمره محدد واضح. ان كان في ترك المحرمات فإنها تكون مذكورة بالنص ومحددة بالتفصيل في الكتاب والسنة ولهذا ذكر الله المحرمات في القرآن تفصيلا فقال سبحانه: "قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم الا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من املاق نحن نرزقكم وإياهم. ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن. ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون. ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتي يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها. وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربي وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون. وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله. ذلك وصاكم به لعلكم تتقون". وقوله تعالي: "إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به. فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم". وقوله تعالي: "حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة. وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن. فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم. وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف". وما عدا ما نص عليه من المحرمات تفصيلا فهو علي أصل الاباحة إجمالا كما قال سبحانه: "ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث".
وحيث كان العلم حاصلا بالمطلوب. فإنه يجب إتيانه وفقا لما جري طلب الشارع له. لأن علم المكلف حجة عليه. وهو واقع في المطلوب وليس واقعا في المكتوب. فوجب الإيمان في الثاني. والعمل في الأول. ان المكتوب والمطلوب هما جناحا الدين "الإيمان والإسلام" أو ما وقر في القلب وصدقه العمل. ولا يجوز الخلط بين الأمرين في مجال العمل. والا وقع المكلف في اضطراب كبير.

تسلم يا محمد يا عسل على الموضوع الرائع

تقبل مروري